الخميس، 30 يوليو 2009

قصة قصيرة

التخريمة
كنا إذا دخلنا ذلك المسار الذى لا هو شارع ولا حارة والذى يقال له "التخريمة" وضعنا الشنط فوق رؤوسنا و عدونا بأقصى ما نستطيع . . . وسط قذائف الطوب التي كانت تلاحقنا حتى نخرج إلى الشارع العمومى !
ورغم تلك المعاناة التي لم نعرف لها سبب ، لم نكف عن المرور من تلك التخريمة التى كانت محصورة بين شارعين عموميين وتختصر بالفعل من عشر الى خمسةعشر دقيقة من رحلة العودة من المدرسة ، إلا أنها فى الواقع كانت كالفخ أو الكمين ! كان إذا طلب أحدٌ فيها النجدة لأى سبب ! . . . فلن تكون إلا من البيوت المحيطة ، فمابالك لو كان أهل هذة البيوت هم المعتدون ! ! !
كان ذلك يوما ً مشهودا ً لا أنساه . . . حينماعزمنا بغرور من هم على أبواب المراهقة أن نضع حدا ً لتلك المعاناة . . . عندما وصلنا إلى التخريمة وضعنا الشنط على الأرض ووقفنا ننظر حولنا ، كان ذلك بمثابة إعلان منا و طلب للتفاوض . . . فهم الطرف الأخر تلك الإشارة بسرعة فلم يمضي وقت طويل حتى خرج علينا من البيوت المحيطة ثلاثة صبيان أكبرهم و أكثرهم شحما ً و لحما ً كان يُِمسك في يده طوبة مستعدا ً لأى غدر منا محتمل !.
بدا واضحا ً أنه الزعيم ، قال بنبرة تحدي و عدوانية وقبل أن ينطق أحدًُ منا بكلمة
: متعدوش من هنا !
بداية غير موفقة على الاطلاق ، فقد بادرنا بالهجوم ووضعنا في موضع دفاعى لا نحسد عليه ، مرت فترة صمت و قلق كنا نفكر فيها كيف نرد ، بحيث لا يبدو الرد ضعفا ً أو جبنا ً منا ، والذي بالتأكيد إن أحسوه فينا فسوف لا نخطو هذا المكان ولسنوات عديدة ، هذا غير طبعا ً العلقة السخنة التى ستكون من نصيبنا، ، لهذا كان يجب أن يكون ردنا محسوبا ً، فنحن على أرضهم ووسط جمهورهم ، كان ذلك ما إتفقنا عليه مسبقا ً ثلاثتنا ، إثنان وأنا !
أما هم فقد أصبحوا الأن سبعة ، بعد أن أنضم إليهم أربعة أخرون ! وهذا مازاد الأمر تعقيدا ً !
قال أحدُنا فجأة مصطنعا ً الشجاعة
: لكن دا شارع الحكومة !!
فى الواقع لم يكن شارعا ً ولا كان للحكومة ، كانت "التخريمة" عبارة عن أراضي خالية (خرابات) أنقضت أسوارها ، و بيوت قديمة مهدمة ! أصبحت مرتعا ً للقمامة والحيوانات الضالة ، والبرك الأسنة !
رد الزعيم بنفس النبرة ولكن بحزم أكثر بكثيروبصوت أعلى
: متعدوش من هنا تاني . . . . . !!
أيقنت ساعتها أن الأمور ستسير في غير صالحنا . . . . فقلت له محاولا ًالتخفيف من حدة الموقف
: طيب ممكن نعرف ليه يا كابتن ؟
:من غير ليه أهو كدا
بدا واضحا ً أن الزعيم يصادر على أي فرصة للحوار أو التفاوض ، ووضعنا في حيرة من أمرنا ، فلا نحن نستطيع أن نستمر معه في الحوار على هذا النحو المهين دون أن نكون قد أهدرنا قدرا ً غير يسير من كرامتنا ! و في المقابل لا نستطيع أن ننهي الحوار عند هذا الحد وننصرف فهذا أمر خطير لا يحمد عقباه !!!
إلا أن حيرتنا تبددت حين صاح أنحفهم وأقصرهم وأصغرهم سنا ً بخبث وشماتة واضحين
: إنتوا أهلوية مش كدة ؟
دقت قلوبنا بشدة جميعا ً حين نطق بكلمة "أهلوية" ودون أن ينظر أحد منا الي الأخر أيقنا أننا أوقعنا أنفسنا في ورطة صعب أن نخرج منها سالمين ، خاصة أننا نعترف في داخلنا أننا لسنا أبرياء تماما ً! و نستحق بعض مما يحدث وسيحدث لنا !
كنا إذا فاز الأهلي على منافسه التقليدي الزمالك - وهو ما كان يحدث كثيرا ً- خرجنا في مظاهرات صاخبة ليومين أو ثلاثة متتاليين نخبط على الشنط ونصيح بهتافات كلها كيد و إستفزاز لكل ما هو زملكاوي ، وبالتأكيد شهدت تلك "التخريمة" جزءا ً غير يسير من تلك المظاهرات التى لا يعاقب عليها القانون للأسف !

ماذا نفعل الأن . . . لقد أغلقوا علينا كل الحلول السلمية ولم يعد أمامنا إلا أن نقاتلهم أو نستسلم !
لم نكن مستعدين للقتال ولم نكن نرغب فيه ، كل ما كنا نريده هو تأمين رحلة الذهاب والعودة من المدرسة ،
هى معركة خاسرة بكل المقاييس فهم أكثر منا عددا ً وعدوانية مدفوعين بذلك الكبت الذى لا ذنب لنا فيه ، و نحن فى ساحتهم ووسط بيوتهم ! . . . وإذا كان الأهلاوية الأوفر حظا ً دائما فى الفوز ً فلماذا لا يفوز الزملكاوية الأن وخاصة أنهم الأكثر عددا ًهذة المرة ! ! !
مرت لحظات صمت و تحفز. . . . .
قرأ فيها كل طرف في أعين الطرف الأخر ما ينوي فعله . . . . . . .
لم يكن هناك من حل سوى أن. . . . . . . . . . . . .
إلتقطنا الشنط بسرعة . . . . . .
بينما هم يدفعوننا ويركلوننا . . . . . .
ونحن نجتهد ألا يسقط أحد منا على الأرض . . . . .
فيقع أسيرا ً لديهم ونحن نولى مدبرين . . .
وسابقنا الريح مجددا ً. . . . . .
بينما قذائف الطوب تلاحقنا و تحلق فوق رؤسنا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كان هذا اليوم هو أخر عهد لنا . . . . . .
"بالتخريمة"

تمت

مصطفى الخطيب
يوليو 2009

هناك 5 تعليقات:

Mohamed Soliman يقول...

It´s great, great, great story, Mostafa
You are really FANNAN... and very senstiv
Go ahead

Mohamed Soliman (Vienna

مصطفى الخطيب يقول...

محمد حبيبى
أهلا ً بك على بلد المحبوب
سعدت بمرورك جدا ً
وأرجو أن يستمر وتواصل
يمكننا التواصل أيضا ً على مدونة شخابيط التى خصصتها لرسومات الأطفال
سأرسل لك دعوة للأشتراك فيها بالخطوط الأولى لأبناؤك لتنمية مواهبهم
الى اللقاء

Mohamed Soliman يقول...

Dear Mostafa
I´m happy to share in your Blog
Regards to all "Alkhateeb Kids
Welad elwazz awam

nermeen esmat يقول...

فى مواقف من شدة الاعجاب الانسان يعجز عن التعبير عليها باى كلمات او شكر
انا فعلا عندى احساس العجز قدام القصة الرائعة الفكاهية .................
استمر يا باش مهندس

مصطفى الخطيب يقول...

شكرا ً نرمين