الاثنين، 9 مارس 2009

قصة قصيرة

فى ظهر ذلك اليوم
فى ظهر ذلك اليوم ، حين وصلت لمبنى النقابة ، بدا الجو مضطرباً.
كان هناك ... فى الركن ... من يجلس الى طاولة صغيرة وأمامه " كشوف "
يسجل فيها : الأسم و السن و المهنة ورقم الهاتف .
سأله أحدهم
: وماذا بعد ؟
رفع كتفيه فى حيرة قبل أن يجيبه
: سيتصلون بك لاحقاً !
. . . .
يبدو أنى وصلت متأخرا ً ... كالعادة !
داخل سور المبنى بقايا تجمع إنفض لتوه
أعلام ولافتات مرتخية .... تحتج فى صمت ،
أوراق على الأرض مبعثرة... تبدوعليها بصمات الأحذية
حناجر مبحوحة ... ووجوه حائرة بحثت فيها - دون جدوى- عن أحدٍ أعرفه .
خارج السور.. سور آخر
صنعه الجنود بأجسادهم وملابسهم السوداء ودروعهم ووجوههم المتشابهه لحد مخيف
وعن قرب تتربص عربات الأمن المركزى بالجميع
...لم تغادرأماكنها منذ عشرات السنين
.... مازالت حبلى بجنود أخرين يمثلون الإحتياطى الأستراتيجى ....
لحرب عبثية طال أمدها .... لم تسفر عن أى نتيجة
ومن وراء شبك فتحاتها الصغيرة تلمع عيون تتسول الفرج ... القريب ... البعيد.
سألت أحدهم حين رأيت سيارة الأسعاف
: هل حدث صدام ؟ هل أصيب أحد ؟
: لا ... إنها للتبرع بالدم .

. . . .

كانت مرتبكة تحاول السيطرة على دموعها التى تسيل بغزارة على وجنتيها
أصابعها ترتعش وهى تركب "الكانيولا" لأحد المتبرعين
تدخلت زميلتها برفق وبسرعة لتقوم بالعمل بدلاً منها ،
تراجعت خطوة للوراء وأسندت ظهرها إلى جانب السيارة وأوشكت على الأنهيار،
بذلت مجهوداً مضنياً لتمنع نفسها من الجهش بالبكاء ،
نظر إليها الطبيب معاتباً لكى تتمالك نفسها ، مسحت دموعها وأنفها الذى سال ،
نظرت للسقف ثم طأطأت رأسها محاولة السيطرة على مشاعرها
تعلقت نظراتى بها فلم تغادرها ..!
شدتنى حالة الوجد الشديد تلك التى شملتها ، وحدتنى معها ومع ألامها
.... لعله قد جاءها خبر أمها ...أو لعله أبوها ..أوقد يكون خطيبها ،
حين مر أمامى الطبيب أستوقفته هامساً
: مالها ؟
صمت قليلاً ثم قال ببرود
: إنها تبكى بغداد ... لقد أعلنوا منذ قليل سقوط بغداد
نظرت إليها نظرةً أخيرة ، وغادرت السيارة
أرتخى السياج البشرى وتململ الجنود منتظرين الأوامر بفك الحصار
طاردتنى من نوافذ وسائل النقل العام وجوه متطلعة... تبحث فى صمت مريب عن ملاذ أمن
يبدو أن الوقت قد حان لنبدأ من جديد
وحين مررت على صندوق القمامة رأيت الكشوف ملقاة بداخله.
مصطفى الخطيب ...نوفمبر 2008

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

ايه الجمال ده كله والفن ده كله ....

غير معرف يقول...

انا شريف عبد البديع