الاثنين، 15 ديسمبر 2008

حوار مع الفنان التشكيلى عز الدين نجيب


عز الدين نجيب يجيب
لماذا لا يشعر المجتمع المصري بالفنان؟

هو فنان وناقد.. نال شهرة عريضة بمواقفه التي تحارب سلبيات الحركة التشكيلية المصرية, لا يعرف المجاملة في عمله ، إنه الناقد عز الدين نجيب صاحب الكلمة الجادة, التي لا تقبل التغيير.

محيط - رهام محمود

لا يتوقف نجيب عن زيارة المعارض الفنية ؛ ليرقب بعين واعية كل ما هو جديد في الساحة التشكيلية, أما عن حياته الفنية فكانت الطبيعة ملهمته لمراحل تجربته الفنية، عبر مواقع مصر النائية والمعزولة جغرافيا وعلى امتداد حقب تاريخية مختلفة.

أقام حوالي 22معرضا شخصيا بمصر ومعرضين بلندن, كما شارك في عشرات المعارض الدولية وفى لجان التحكيم لمسابقات الفنون والنقد, أقام الكثير من الندوات, وألف مجموعة من الكتب في نقد الفنون التشكيلية, وحصل على العديد من الجوائز.

في حياته تقلد مناصب متعددة, آخرها رئاسة مجلس إدارة جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة منذ عام 1994 حتى الآن, ونائب رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلي, وعضو لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة.
ومعه وحول الحركة النقدية المصرية ، كان لشبكة الأخبار العربية "محيط" هذا الحوار ..

محيط: يردد بعض الفنانين التشكيليين مقولة أنه لا يوجد نقاد في مصر.. هل تؤيد ذلك ؟

نجيب: أعتقد أن هذه الأحكام ذاتية وليست موضوعية ، فإذا أبرز الناقد أحد هؤلاء الفنانين وأشاد بعمله سيكتب في اليوم التالي " توجد بمصر حركة نقدية مزدهرة ونقد تشكيلي" والعكس أيضا صحيح .
والنظرة الموضوعية تقول أنه يوجد نقاد لكن لا توجد حركة نقدية, وهناك فرق بينهما ؛ فالنقاد يعملون بمنطلقات خاصة بكل منهم لكنها تشكل توجها لجميعها, مثل الحركة الفنية التشكيلية في مصر بها عدد كبير من الفنانين التشكيليين, نستطيع أن نرى من خلالها رؤية مشتركة للحركة, بينما على مستوى النقد فلا يوجد تأسيس نظري ولا منابر كافية , ولذا فإن كل ناقد يكون عصاميا أي يكون نفسه بوسائله الخاصة, نحن كذلك نفتقد للمؤسسة التعليمية ، حتى أن أكاديمية الفنون التي تحوي قسما للتذوق والنقد الفني لم تخرج لنا ناقدا نستطيع الإشارة إليه, لأنها منذ البدء لم تبحث عن المواهب ولم تعهد لكبار النقاد بتبنى المواهب.

وأعتقد أن عدم اكتراث الصحف بتخصيص مساحات "محترمة" ثابتة للفن التشكيلي, وندرة الكتب الفنية المتخصصة الصادرة كلها عوامل أضعفت الحركة النقدية المصرية .

محيط: بصفتك ناقد مخضرم, وفنان صاحب تاريخ طويل .. ما تقييمك لمسار الحركة التشكيلية المصرية منذ جيل الرواد إلى الآن ؟
نجيب: لو رصدنا الحركة التشكيلية منذ نشأتها في السنوات الأولى من القرن العشرين سوف نجد أربع محطات رئيسية.
الحركة الأولى لجيل الرواد وهذا الجيل تخرج من مدرسة الفنون الجميلة التي أنشأت عام 1908 وعبر عن الروح الوطنية والقومية لمصر في ذلك الوقت؛ لأنها كانت مرتبطة بمناخ الحرية والثورة والبحث عن الاستقلال وبناء مصر الحديثة.

الفن المصري يتجه للغرب
الحركة الثانية جاءت في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات عندما كانت مصر تمتليء بالتناقضات الاجتماعية والثورية
قبل ثورة 1952, ظهرت مجموعة من الجماعات الفنية الثورية, منها جماعة الفن والحرية, والفن المعاصر, والفن الحديث, وجماعة حامد سعيد للفن والحياة, كل منها يبحث عن طريق للنهضة الوطنية عبر الفن.
إذا هذه الحركة كانت وليدة الصراع الاجتماعي من أجل التقدم والحرية, لكنها تميزت عن الأولى بأنها تحررت من المنابع الأولى للطبيعة والتراث الذي كان هو الدافع للرواد مثل محمود سعيد ومختار وناجي ويوسف كامل والآخرين, فهنا اتجه الفن لأوربا والغرب والمدارس الحديثة كالسريالية والعبيرية والتجريدية, لكنها كانت تستلهم هذه المدارس والاتجاهات الحديثة للتعبير عن هموم الواقع المصري, وليست عن هموم ذاتية لكل فنان, وعندما ننظر في أعمال عبد الهادي الجزار وحامد ندا وماهر رائف وسمير رافع ندرك هذا ،

كما ارتبط بهم الجيل الثالث كحامد عويس وجمال السجيني وجاذبية سري ويوسف سيدا وآخرون كانوا يسعون إلى الفن الحديث في أوروبا باتجاهاته ولكن من منطلق الروح والشخصية المصرية.

جيل الستينات

المحطة الرابعة في تطور التشكيل المصري كانت من جيل الستينيات الذي جمع بين بعدين, الفنان الثوري الرافض للإقطاع والظلم والاستعمار مع مباديء ثورة يوليو, وبين الفنان المبشر بالحداثة الأوروبية والغربية لكن من منظور بحث عن ملامح مصرية جديدة, هذه الفترة ضمت كوكبة كبيرة جدا من الفنانين, ومن الملاحظ أن نظام ثورة 23يوليو دعم هذه الحركة, وساعدها بقاعات العرض وإقامة المتاحف وعمل المعارض الخارجية وإقامة المسابقات لتشجيع الفنانين في هذا الاتجاه, ومشروع التفرغ للفن, فكل هذا كان من العوامل الإيجابية التي نشطت حركة هذا الجيل .

أثر نكسة1967 على الفنانين

بعد الستينات حدث شرخ عميق في المجتمع المصري بعد نكسة 1967, فالفنان أكثر تأثرا بالإحباط من الجمهور العادي, فبداية حدث نوع من الخمود والهبوط العام في مسار الحركة الفنية, ثانيا بدأت تظهر عوامل سلبية واغتراب وبحث عن الفن الأوروبي باعتباره ملاذا , ثم بعد ذلك انتصرنا في أكتوبر 73 لكن للأسف لم يصاحبه ازدهار للفن أو الثقافة المصرية؛ لأن ثمار النصر انصبت في سياسة الانفتاح الاقتصادي في عصر الرئيس السادات في النصف الثاني من السبعينات.
وهذا المناخ العام انعكس في الفن, فمؤسسات التعليم في مجال الفنون أصبحت غير جدية, أخرجت أجيال هشة لم تدرس الفن دراسة صحيحة, وتم الغاء نظام القدرات في القبول للكليات الفنية, واستبداله بنظام المجموع ومكتب التنسيق, فالتحق بالكلية أعداد كبيرة ليسوا جميعهم من الموهوبين, وفوجيء الأساتذة بأنهم بدلا من أن يدرس أحدهم لعشرين طالبا, يدرس لنحو 200 طالبا.

كما حدث نوع من الانفتاح الثقافي, وهذا كان يعني أن نتحول إلى مستهلكين لثقافة الغرب وليس مبدعين نقف في مواجهة حضارية مثلما كنا في الماضي.

عولمة الفن

في عصر ما قبل العولمة, كانت أمريكا تقوم بحشد قوتها لكي تكون قوة موازية للاتحاد السوفييتي لتهزمه هزيمة اقتصادية؛ لأنها لا تستطيع أن تهزمها عسكريا, فاجتذبت إليها اقتصاديات وقوى العالم التحررية لكي تصبح نظام عالمي, لكن في جوهره هو نظام رأسمالي استغلالي جشع حول الشعوب إلى خدم للقوة الكبرى التي سرعان ما حولت هذا النظام إلى العولمة, وأصبح لدينا نموذج غربي يعمم في كافة مجالات الحياة بما فيها الاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية والفن .
وجاءت ثورة الاتصالات لتكون الأداة العظمى الجنونية, وأصبحت هي الوسيلة الفورية لنشر هذه المباديء وللسيطرة على مقدرات الشعوب في عدم وجود خصم.

الفن في عهد فاروق حسني
هذا المناخ الجديد الذي بدأ في عام 1987 وكبر في مصر, وكان نتيجته تحول جديد في العمل الثقافي باختيار الفنان
فاروق حسني وزيرا للثقافة, الذي كان توجهه في خدمة هذا النظام.
ومن هنا كان من أوائل المشروعات التي أقامها النظام الثقافي في عصر فاروق حسني هو صالون الشباب, وأصبح هو البوتقة الذي تجتمع فيها المواهب الشابة التي تخرجت من كليات الفنون ولم تنضج للأسباب والمفاهيم التي ذكرت سابقا كالتعليم, فكانت بنيتهم ضعيفة أمام إغراءات قوية بجوائز لا يحلم بها الفنانين الكبار.
وفي نهاية هذه المعارض كان لابد من اكتشاف الموهوبين من الشباب, لكن هيئات التحكيم كانت تلبي ما يتطلبه الواقع الجديد, وهو أن النموذج الذي يستحق الجائزة والشهرة هو الذي يحاكي آخر صيحات الفن في بيناليهات العالم في أوروبا وأمريكا كبينالي فينسيا وديكومنتا في ألمانيا وغيرها, التي تطبق مسار تجاه العولمة في مجال الثقافة والفن.

شباب في مهب الريح

خرجت هذه الأجيال من صالون الشباب وهي لا تعلم لماذا خرجت, حتى أن أحدهم لا يعرف ما هي أوجه التميز والإبداع في أعماله لكي يحافظ عليها, فهؤلاء الشباب أصبحوا في مهب الريح, فكثير من الفائزين ترفض أعمالهم عندما يتقدمون بها لصالون الشباب العام اللاحق لأنها تكون دون المستوى, أو لأن لجنة فرز وقبول الأعمال تغيرت, وهي لا تمارس نفس المعايير التي استخدمت في العام السابق.

وكان من نتيجة ذلك أن هناك عشوائية في تطور مسار حركة الشباب من أواخر الثمانينات وحتى الآن, في النهاية فالحركة الشبابية منذ ذلك الوقت هي عربة طائشة تسير باندفاع وتحدث من الأضرار أكثر مما تحدثه من الفائدة, وقد تأتي بأشياء مبهرة دون المعرفة بكيفية تحقيق هذا الإبهار والحفاظ عليه, والنتيجة أنها لم تؤدي إلى تراكم في تيار فني جديد يعبر عن حركة تستلهم واقع هذا البلد وتراثه وحضارته الممتدة.

في المقابل لهذه الحركة كان هناك اتجاهات الأجيال السابقة لكنها كانت في موقف المغضوب عليها, أي ليس لهم نفس المزايا والحقوق التي يحظى بها الآخرون, فحدث نوع من الانكماش إبداعاً لا كماً, أي أن الحركة الفنية بها كم هائل من النشاط الإبداعي, لكن السؤال ما هو الحصاد عندما نقيم هذا الإنتاج.

فالأزمة موجودة وهي انفصال الحركة الفنية كلها عن المجتمع, والفكرة أن الحركة الفنية مغتربة في جزيرة نائية عن المجتمع, ومن يجلسون على قمة الدولة في التخطيط التعليمي لم يشعرون بأهمية مادة الرسم وهذا انعكاس للعزلة.

محيط: إذا ما هي الطرق لحل هذه السلبيات؟

عز الدين نجيب: العلاج في رأي يتمثل في قيام وزارة الثقافة بتحديد ميزانيات للفنان وليس للنشاط الفني, فالميزانيات التي تخصص للفن أغلبها للأنشطة المهرجانية والاحتفالية وليست لدعم الفنان للاستمرار والممارسة, فالدولة لا تهتم برعاية الفنان اجتماعيا أو اقتصاديا أو صحيا, فالفنان يمكن أن يموت في مستشفى عام لأنه لا يجد ثمن العلاج والمستشفى لن تهتم بعلاجه, وهذا حدث بالفعل, كما يعجز أيضا بعض الفنانين عن عرض أعمالهم لأنهم لا يستطيعوا شراء براويز لها ! , أو دفع إيجار لقاعة, أو طبع الدعوات, في وقت أصبحت القاعات الخاصة هي التي تتولى شؤون الفن.

وهذا لا يعني أننا ضد النشاط العام والمهرجانات والبناليهات، ولا أقصد أن يحصل على إعانة مالية, بل تعطى في شكل خدمات حقيقية مرسم, معرض, ورش لعمل البراويز, طبع ملصقاته, طبع كتب عنه, عمل مجلات للفن, فلا يوجد وسائط للثقافة الفنية بين الفنان والجمهور.

فمصر اختزلت مكان الفن في وسط البلد بالقاهرة, الزمالك, الجزيرة, ميدان طلعت حرب, حيث القاعات الخاصة التي يخشى المواطن العادي بأن يقترب منها, فهل هذا هو الذي يلبي احتياجات الشعب المصري إلى الثقافة؟!, فلو قارنا هذا بفترة الستينات والسبعينات سنجد أن قاعات الفن تتواجد في أماكن التجمعات الجماهيرية, كميدان باب اللوق الذي كان يحمل أكبر قاعة للفن التشكيلي في مصر والتي تحولت حاليا إلى مسرح وبنك.

كما أنه لا يوجد ثقافة فنية في برامج التليفزيون للتثقيف الجمالي, أو في الإذاعة, أو مجلات متخصصة للفن, ولا ندوات ترعاها مؤسسات ثقافية لتثقيف الجمهور, والنتيجة هي زيادة الانفصال بين عالم الفنانين وعالم الشعب.

جسر الفن والمجتمع

وعلى الفنان أن يبحث مع نفسه بإخلاص وأمانة وبروح وطنية كيف يعيد الرابطة بينة وبين المجتمع بلغة فنية مشتركة, لن يهبط بمستواه لكي يلائم فهم الجمهور العادي, بل يبحث في الجماليات التي تتمثل في حياتنا اليومية وتراثنا وثقافتنا وموروثنا الجمالي, ويعيد استلهامه بنفس القدر الذي يستلهم به الفنون الأوروبية, سيجد حداثة من نوع جديد لكنها نابعة من أصولنا وليست مكتسبة أو مقلدة, كل هذه العوامل مكتملة هي التي تستطيع أن تبني جسرا بين الفن والمجتمع.

ويوجد عنصر أخير هو الوسيط بين الدولة والمؤسسات الفنية هي الجمعيات الفنية, هذه الجمعيات لو أخذت من الدعم الذي تصرفه الدولة على الأنشطة ستنتج حركة ثقافية وفنية أقوى من التي تتم حاليا وبإمكانيات مالية أقل.

محيط: خضت معارك كثيرة في الساحة التشكيلية ماذا أثمرت هذه المعارك؟

عز الدين نجيب: هي قضايا معلقة خاصة في مسئولية الدولة عن نهضة الحركة الفنية والثقافية, وجميع هذه القضايا تكون من منطلق قيمي يقوم على أبعاد الفكر والمجتمع والسياسة ويصب في النهاية في المنظومة الثقافية الشاملة, وهذا كان صعب استيعابه بالنسبة للأطراف التي تحدثنا عنها؛ لأنهم يتكلمون من البعد الرئيسي الوحيد وهو الفئوي, الفنان ماذا يحتاج والجمهور ماذا يحتاج, بينما أنا أربطها بكل هذه المنظومة, وهذا أخذ وقت وصراع, لكن في النهاية الصورة وضحت لأن التناقضات زادت عن حدها ففهم الجميع, ولم يكن هناك حاجة بأن أدخل المعركة بمفردي, وآخر المعارك كانت بمؤتمر الفنون التشكيلية الأخير.


محيط: هل تؤيد من اعتبر اعتذارك عن المشاركة في المؤتمر التشكيلي الأول موقفا سلبيا ؟

عز الدين نجيب: من يقرأ نصف المقال الأول يقول أن موقفي سلبي, ومن يقرأ المقال لآخره يقول أنه موقف إيجابي 100%, لأنني قلت: "تعالوا نبدأ من جديد بشكل علمي ومنهجي كوحدة لكل الأطراف, من منطلق قومي وليس منطلق فئوي", وهذه الفكرة التي أتحدث عنها دائما, وبالتالي إذا تشاركنا جميعا ونسينا ذاتنا ودوافعنا وكراسينا ومناصبنا سنستطيع معا أن نضاعف قوتنا الصغيرة, لأننا مبعثرين فعندما نتجمع سنصبح قوة كبيرة, وبهذه الحالة سنستطيع أن نصل إلى الهدف مباشرة , وهذا الموقف لا أعتبره سلبيا.تاريخ التحديث :- توقيت جرينتش : الخميس , 18 - 10 - 2007 الساعة : 10:58 صباحاًتوقيت مكة المكرمة : الخميس , 18 - 10 - 2007 الساعة : 1:58 مساءً

ليست هناك تعليقات: