الجمعة، 7 نوفمبر 2008

كتبت مسودتها بعد أسابيع قليلة من أحداث الحادى عشر من سبتمبر
تجليات أحداث الحادى عشر من سبتمبر

لا أحد بالطبع يقر قتل الأبرياء الآمنين لأى سبب من الأسباب ، لكن الذى حدث فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 قد حدث وأصبح من أفعال الماضى ... ولا نملك حياله الآن إلا التأمل والتحليل وأستخلاص النتائج ... ما حدث قد حدث تلك حقيقة ثابتة وما يحدث الآن أيضا حقيقة ثابتة ... وما يعنينا الآن هو قراءة مبدئية للنتائج التى تمخضت عن ما حدث ، وما سوف يحدث، تلك النتائج لا ندعى انها نهائية، ولايمكن أن تكون نهائية وإنما نحاول أن نرصد النتائج فى المدى القصير والمتوسط والبعيد أحيانا ، تلك النتائج التى حدثت على ثلاث مستويات المستوى الدولى – المستوى الداخلى فى الولايات المتحدة والغرب -والمستوى الأقليمى فى الشرق الأوسط والشرق الأقصى على السواء ، وعلى كل مستوى سنتحدث عن مستويات أخرى فرعية هى المستوى الأستراتيجى والمستوى السياسى والمستوى الأقتصادى والاجتماعى لنرصد فى النهاية عدة حقائق.

أولا : المستوى الاستراتيجى الدولى
فالولايات المتحدة القوى العظمى الوحيدة فى العالم الآن ، بكل ما تملك من عوامل القوة لم تستطيع أن تحمى نفسها من تلك الهجمة الشرسة ، والأخطر من هذا أنها لم تتوقعها ، والأخطرمن هذا وذاك أن تلك الهجمات قابلة للتكرار.تغيرت الآن وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر نظريات الأمن القومى الاستراتيجى للقوى الكبرى وتبدلت المعادلة تماما فلم تعد القوة ( السياسية – الاقتصادية – العسكرية ) هى وحدها التى تحقق الآمن القومى والاستراتيجى ، فالولايات المتحدة القوى العظمى الوحيدة فى العالم الآن، بكلما تملك من عوامل القوة ، لم تستطيع أن تحمى نفسها من تلك الهجمة الشرسة ، والأخطر من هذا أنها لم تتوقعها ، والأخطرمن هذا وذاك ، أن تلك الهجمات قابلة للتكرار حين تتوفر لها الأسباب ، والأخطر من كل ما سبق ، انه لا يمكن منعها تماما فى المستقبل ، وذلك بأعتراف الإدارة الامريكية ذاتها ، حتى لو تم القضاء على بن لادن والقاعدة وآخرين .
- لقد تم إختراق أمن الولايات المتحدة الامريكية القومى بل تم تدميره بدون أدنى مبالغة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وبغض النظر عما سوف يحدث بعد ذلك التاريخ ، ولم يعد المواطن الأمريكى يعيش فى امان ، ولم تحمه دولته بما تملك من قوة لا منافس لها على الاطلاق – وسيصل المواطن الأمريكى قبل الإدارة الامريكية إلى قناعة بالحقيقة التى جسدتها الاحداث وهى"ان الامن لا يتحقق بالقوة ولكن الامن يتحقق بالعدل" ، تلك هى الحقيقة الأولى .

- تغيرت أيضا موازين القوى فى العالم فلم تعد موازين القوى التقليدية هى وحدها القائمة ، ولكن هناك موازين قوى جديدة تطرح أشكالاً جديدة مختلفة تماماً عن موازين القوى التقليدية ، التى كانت عادة بين دول أى بين دولة ودولة أو مجموعة قوى ومجموعة قوى أخرى ، وتحدد تلك الموازين كما هو معروف على أساس ما يملكه كل طرف من قدرات سياسية واقتصادية ومؤسسية وعسكرية الخ .
- أصبح الآن وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر يتشكل شكل آخر لموازين القوى يفرض نفسه الأن بين دولة او مجموعة دول من جهة وشعب أو مجموعة شعوب على الطرف الآخر للصراع – وهذا النوع من المواجهة أو الصراع لا يكون فى أغلب الأحيان فى صالح الدول أو مجموعة الدول ، وذلك لسبب أساسى هو أن موازين القوة معايرها مختلفة تماماً لدى الشعوب عن تلك التى لدى الدول، فالدول دائما حسابتها للقوة مادية قائمة على المكسب والخسارة والمصالح الحيوية ، حتى على حسب كل ما هو حقوقى وأخلاقى وتاريخى ، وفى المقابل فإن الشعوب مقياسها للقوة هو عكس ذلك تماماً ، فالشعوب تقر كل ما هو أخلاقى وتقر الحق التاريخى حتى لو كان على حساب مصالح آنية متغيرة ، لذلك أصبح شكل موازين القوى الجديدة هو شعوب مقابل دول ، فى تلك المواجهة غلباً تخسر الدول وتلك هى الحقيقة الثانية .
- فالأول مرة تفرض المواجهة على أمريكا ولا تختارها ، لأول مرة تتقلص البدائل أما الولايات المتحدة حتى تصبح بديلاً واحداً ، و حين يصبح الأختيار بديلا واحداً تأكد أنك تسير نحو قدر محتوم ، لا مفر منه وذلك فى حد ذاته مخيف.لم يعد يوسع الولايات المتحدة بعد الآن تجاهل مصالح الشعوب ، لأنه قد ثبت باليقين أن الشعوب تستطيع أن تدافع عن مصالحها ، وإلا من اين جاء بن لادن ومنظمة القاعدة وحزب الله وحماس والجهاد والجمعيات الاهلية غير الحكومية حول العالم ؟ جاءوا من معاناة الشعوب وخلاصة نضالها وتعبيراً عن آمالها وأحلامها ، ودفاعا عن مصالحها ، وبديلاً فى المواجهة عن الدول والأنظمة الضعيفة المغلوبة على أمرها والمتخاذلة والمستسلمة والتى تتسول الحق ، تلك الانظمة التى تستجدى بعض حقوق شعوبها من الولايات المتحدة والغرب ، ولا تلقى منهم الا كل تجاهل وأستخفاف واذدراء ، وتلك الأنظمة حتما فى طريقها الى الزوال( أنظر ما حدث فى لبنان – وما يحدث فى فلسطين وما يحدث فى ديربن فى جنوب أفريقيا )
- لأنها الآن لا تعرف الا أن تتخذ مواقف وسطية ، ولكنها وسيطة مذمومة بين الحق والباطل ، مواقف لا ترضى عنها شعوبها ولا يرضى عنها الغرب ، لذلك حتماً قريباً ستصبح خارج المعادلة .

- هل تحقق الحلم الأمريكى أم أصبح كابوسا ؟
وسيصل المواطن الأمريكى قبل الإدارة الامريكية إلى قناعة بالحقيقة التى جسدتها الاحداث ، وهى ان الامن لا يتحقق بالقوة ، ولكن الامن يتحقق بالعدل تلك هى الحقيقة الأولى .على المدى المتوسط سوف يأفل نجم الولايات الأمريكية ليعود توازن القوى بين قوتين أو أكثر، تمكن الخلق من التنفس ، والدلائل على هذا ليست يقينية ولكنها جديرة بالتمحيص فالأحداث التى تجرى الآن للولايات المتحدة قدرية بمعنى أنها تبدو كأن لا إختيار فيها ولا مفر منها .
فالأول مرة تفرض المواجهة على أمريكا ولا تختارها ، لأول مرة تتقلص البدائل أما الولايات المتحدة حتى تصبح بديلاً واحداً ، و حين يصبح الأختيار بديلا واحداً تأكد أنك تسير نحو قدر محتوم لا مفر منه وذلك فى حد ذاته مخيف ، كانت امريكا قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر تهيمن على وتنفرد بالعالم . وتخطط له كيف يتطور ويتحرك ، تقود العالم كيف تشاء ، وتوجهه حيث تريد ، ظناً منها أنها تسيطر على العالم سيطرة مطلقة ، وأنها حلت محل التاريخ .
كما أنها كانت تحاول توسيع الفجوة بينها وبين القوى الأخرى فى العالم حتى أقرب حلفاءها حتى يتم لها السيطرة التامة على مقدرات العالم .
كانت تعتقد أن" أمريكا أصبحت "جنة الله على الأرض" ولم يعد أمامها ألا الدرع الصاروخى لتأمن تماماً داخل حدودها ، ولا تحلم أى قوى فى العالم حتى فى مجرد إزعاجها ، تفرض الجات والعولمة على النمط الأمريكى ، وتقبل بالتعددية فى كل شى إلا النسق الحضارى ، وتعيد تفكيك الأنسان وتركبه من جديد ، تفرض العقوبات على الشعوب ، وتكيل بمكيالين ، تفرض نفسها حكما وخصما فى الصراعات الدولية ، وكذلك منفذا للحكم ، هيمنت على الاممم المتحدة حتى أصبحت" إدارة أمريكية " ، تنشر الكذب وتغسل العقول بألاتها الأعلامية الجبارة ، أطلقت تعبير إدارة المجتمع الدولى وفى الحقيقة أدارتها هى .
- فمواطن أعظم وأقوى دولة فى العالم خائف لا يشعر بالآمان ، وتلك القوة العظمى لم تحمه وإنما جلبت عليه الدمار والخوف ، لابد أن يتسأل : لماذا يحدث هذا ؟ الإجابة عن هذا السؤال المنطقى رغم بساطته لكنها سوف تغيير نمط الحياة للمواطن الأمريكى .
هل أصبحت مقدرات العالم مرهونة بإدارة شخص أو مجموعة أشخاص ؟ هذا سؤال صعب وخطير ، الاجابة عليه سوف تؤثر فى الفكر الأستراتيجى العالمى فى القرن الواحد والعشرون .

- هل العلاقة بين الشرق والغرب ، بين الغرب والأسلام ، صراع الحضارات ؟ هل هى عودة للمواجهة من جديد؟ .
- هل انهزمت تماماً الحضارة العربية والأسلامية ؟ أم مازالت تقاوم ؟ هل ما يحدث هو حلاوة الروح أم بداية نهوض جديد ؟
- هل أصبحت تكنولوجيا المعلومات الحديثة أداة فى الصراع ، ولكن هذه المرة ضد الغرب المنتج لها ، هل انقلاب السحر على الساحر؟

ثانيا : داخل الولايات المتحدة الأمريكية
- سقوط نظرية الأمن القومى الأمريكى ، وحالة الذعر والرعب التى يعيش فيها المواطن الأمريكى ، والانهيار النفسى نتيجة أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، فمواطن أعظم وأقوى دولة فى العالم خائف لا يشعر بالآمان ، وتلك القوة العظمى لم تحمه ، وإنما جلبت عليه الدمار والخوف ، لابد أن يتسأل : لماذا يحدث هذا ؟ الإجابة عن هذا السؤال المنطقى رغم بساطته لكنها سوف تغيير نمط الحياة للمواطن الأمريكى .
- وسيطرح السؤال الكبير والمؤلم هل أصبحت إسرائيل عبئا على أمريكا ؟ هل المساندة العمياء لأسرائيل ثمنها فادح الى هذا الحد ؟ تلك أسئلة لابد من الإجابة عليهاسياسيا سوف يظهر أتجاهان
الأتجاه الأول ( أصلاحى ) سوف يتعامل مع أسباب الأحداث ويحاول علاج الأسباب ولا يكتفى بالعلاج الأمنى ، سوف يدعو ذلك الأتجاه – وقد بدء ظهوره فعلا –لإعادة النظر فى سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية وخاصة فى منطقة الشرق الأوسط والأقصى ، وسيطرح السؤال الكبير والمؤلم هل أصبحت إسرائيل عبئا على أمريكا ؟ هل المساندة العمياء لأسرائيل ثمنها فادح الى هذا الحد ؟ تلك أسئلة لابد من الإجابة عليها – أما الأتجاه الثانى ( المحافظ ) سيعتمد العلاج الأمنى والعسكرى للمشكلة ، وحسب نتائج المواجهات وحسابات الأرباح والخسائر( إن كانت ظاهريا فى مصلحة أمريكا) سوف يدفع بالإدارة الأمريكية لمزيد من التشدد ومواصلة السير فى الطريق ذاته قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، وفى تلك الحالة ستهوى الولايات المتحدة بسرعة نحو الهاوية ، لأنها فى هذه الحالة تصبح أمة غير رشيدة لا تعى حركة التاريخ ولا تستفيد من أخطائها وتلك بداية النهاية .
- من النتائج الطريفة لاحداث الحادى عشر من سبتمبر والايجابية أيضاً ، هى هل سيعيد صناع السينما الأمريكية النظر فى الأفلام التى يقدمونها للعالم عن قوة الفرد الامريكى الاسطورية ، ونمط السوبرمان الأمريكى ، الأفلام على نوعية جيمس بوند ورامبو . ويوم الاستقلال , وأشباه تلك الافلام التى تمجد القدرة الامريكية الجبارة فى كافة المجالات ، أعتقد أنهم سوف يعيدون النظر فى انتاج هذا النمط من الأفلام بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر .

سقطت نظرية العزلة الداخلية الأمريكية و عدم إهتمام المواطن الأمريكى بالصرعات الخارجية التى تديردها إدارته ، لأن أثارها السلبية لا تصل اليه ، فالمواطن الأمريكى لا يهتم بالقضايا خارج بلاده ولا يعلم أين تقع ، "العراق" مثلا أو "قندهار"؟ سينفجر السؤال ماذا تفعلون بالخارج ؟ ما هى سياستكم التعيسة فى الخارج التى جرت علينا كل هذه الويلات ؟

على المستوى داخل الولايات المتحدة الأمريكية
- العلاقة بين سياسات الداخل وسياسات الخارج ، هل أنفجر الخارج فى وجه الداخل ؟ سقطت نظرية الفصل والفصام التام بين السياسات الخارجية للإدارة الأمريكية والوضع الداخلى ، سقطت نظرية أن السياسات الأمريكية خارج حدود الولايات المتحدة لا تؤثر إلا بالايجاب على الأوضاع الداخلية ، سقطت نظرية العزلة الداخلية الأمريكية و عدم إهتمام المواطن الأمريكى بالصرعات الخارجية التى تديردها إدارته ، لأن أثارها السلبية لا تصل اليه ،
فالمواطن الأمريكى لا يهتم بالقضايا خارج بلاده ، ولا يعلم أين تقع "العراق" مثلا أو "قندهار" ؟، سينفجرحتماً السؤال ماذا تفعلون بالخارج ؟ ما هى سياستكم التعيسة فى الخارج التى جرت علينا كل هذه الويلات ؟ ما هى علاقة الداخل بالخارج وعلاقة الأمريكى بالآخر؟ وهل العلاقة تسير نحو الصدام مع الآخر كما تريدها الإدارة الأمريكية و أصحاب المصالح واللوبى اليهودى ؟ وهل هناك سبيل آخر غير الصدام ؟

على المستوى الدولى - الأستراتيجى
- العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون فى المغرب أصبحت الآن وبعد الأحداث فى مفترق الطرق ، لابد أن هناك من يتساءل الآن فى أروبا إلى أى حد نسير وراء الولايات المتحدة وهى تنفرد بقيادة العالم ؟ وهل التحالف مع الولايات المتحدة سيستمر حتى لو كانت تقود العالم نحو الصدام الحضارى والهاوية ؟ لابد أن العقلاء فى الغرب سوف يراجعون تلك العلاقة.
- أما روسيا والصين المتحالفتين أستراتيجيا ضد أمريكا فيتربصون الأحداث ، وما سوف تسفر عنه ، وهل الأسد الجريح سوف تشفى جراحة أم ستزداد وتتعمق ، وحين أذن تكثر سكاكينه .


مصطفى الخطيب

ليست هناك تعليقات: