السبت، 18 أكتوبر 2008

قصة قصيرة


على بلد المحبوب ودينى

حين كانت تدوى صفارات الإنذار، تسرع أمه بإطفاء أنوار البيت ، يمضى مسرعا الى الشرفه ، يتطلع الى البيوت المحيطة والى شجرة المانجه القريبة
والى الميدان الفسيح الذى تطل عليه الشرفه ، يجدها وقد كساها السواد ، الحركة تكاد تنعدم ، يسمع أصوات تنادى من بعيد .. طفى النور .. طفى النور،
خفق قلبه الصغير،
بدت له الأشياء هذة الليلة أكثر قرباً و غموضاً من أى وقت مضى.
أحس بوحشة ، وشرع فى البكاء ، ألا أن ثمة بصيصا من الضوء أثار أنتباهه ،
بشغف يتتبعه ،
تراقصت أمامه كالآشباح على جدران البيوت ظلال ألقتها أنوار سيارة تدور فى الميدان ، فى حركة مستمرة ، ما لبثت أن أختفت.

قفزت الى ذهنه فجأه قصص وحكايات تذكرها عن الأشباح والعفاريت ، معتبرا ظهورها اليلة أمرلا مفر منه ، أخذ يترقب هبوطها من السماء أو تنشق الأرض عنها أو تخرج من بين فروع شجرة المانجة ، فى العتمه أشتدت رهافة سمعه ، أصبحت تلتقط أذنه الأن بوضوح حفيف أوراق الأشجار وصفير صراصير وهمهمات تخرج من بيوت الجيران ، عاش لدقائق طويلة صريعا لأصوات وخيالات تهيأت لها كل الظروف، لم يقطعها الا صوت أبيه وهو يتحسس فى العتمه مقعده المعتاد قابضا بحرص على كوب الشاى الساخن وتحت أبطه الراديو الصغير الذى يفضله
بصوت مسموع يعرفه جيدا ويأنسه أخذ يرشف الشاى
و يقلب بين المحطات
لا يستقر على أى منها
الأصوات تنبعث من الراديو لتصب فى أذنه الصغيرة التى تعمل الأن كقرون أستشعار
... على بلد المحبوب ودينى ... زاد وجدى والبعد كاوينى...
متى تضىء أمى النور ؟
سأل أبوه ، نظر أليه وأبتسم فى حيرة ولم يجب
فجأه ملأ بكاء أخته الصغيرة فراغ الشرفة ، تأتى أمه مسرعه
تضعها فى حجرها
تطبطب عليها و هى تتمتم
هو هو نام نام وأنا أجبلك جوزين حمام
تمني لو أستمرت أمه فى الغناء ، الا انها توقفت حين راحت الصغيرة فى النوم
أقترب منها واخذ يتمسح فيها وهو يهمس فى اذنها
: متى تضيئين النور؟
وضعت اصبعها بحزم على شفتيها مشيرة إليه ألا ينطق.
... وقد تصدت قواتنا لقوات العدو... و كبدته خسائر فادحه...
مرة أخرى أندفع الى سور الشرفه حين تراء له ضوء من بعيد
... بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد ..أن الشاطر حسن وقع فى حرج شديد...
سرعان ما ألقى بظلال شجرة المانجه داخل الشرفة
ها هى الفروع و الاوراق تتحرك بسرعة على الجدران
... صافينى مره.. وجافينى مره.. وماتنسانيش كده بالمرة...
عبثا حاول القبض على الثمارالداكنه ، تفلت ، يحاول مرة أخرى ، تهرب من بين يديه الصغيرتين ، يتتبعها بيأس وهي ترتفع الى سقف الشرفه ثم تختفى وتحل العتمه من جديد
... دعت مجلس الامن لعقد جلسة طارئه لمناقشة احداث الشرق الاوسط...

متى تضئ أمى النور ؟

يكاد يجهش بالبكاء
...إنت عمرى إلى إبتدا بنورك صباحه...
يشعر ببروده تسرى فى جسده رغم الجوالحار
تكوم كقطة صغيرة في ركن الشرفة وسرعان ما غلبه النعاس
و لم تضئ أمه النور بعد.
وصوت الراديو يرن في أذنه
...على بلد المحبوب و دينى....

مصطفى الخطيب وأبناؤه
يوليو 2008

هناك 7 تعليقات:

احمد أبو العلا يقول...

اهلا بك يا درش فى عالم التدوين
القصة جميلة...استمر

مصطفى الخطيب يقول...

على بلد المحبوب وديني .. رائعة ..
جميل جدا وصفك لتيه الطفل الصغير في ظلام الغرفة .. بين أمه الملهية عنه بأخته الصغيرة وأبوه الملهي عنه بأخبار الحرب .. ومقاطع الأغنيات المصرية القديمة .. والأجمل تصويرك الدقيق للهوه مع ظلال ثمار شجرة المانجة .. إلى أن غلبه النوم وهو لا يزال ينتظر النور القادم من بلد المحبوب

الفنان مصطفى الخطيب
قرأت واستمتعت
دمت بخير
أبو بكر

مصطفى الخطيب يقول...

جميل أن يكون الحقيقة موافقه لنسج الخيال

والأجمل أن يكون الحقيقة أفضل من الخيال

مبدددع ياشيخ
مصعب القاسمى

منثصر جابر يقول...

أجمل الأشياء بداخلنا دائما ..وربما نفشل أن نراها ، ونتصور أنها غير موجودة أو غير حقيقية ..أطلق لنفسك العنان للتعبير بمكنوناتها من حكايات قديمة وأخرى تحلم أن تتحقق . بداخلنا بحور مليئة بالكائنات الحية والميتة..اسماك ملونة صغيرة ،واسماك متوحشة ،لألي ثمينة وأحجار بلا قيمة ،سفن محطمة ، ومدن غارقة ،وخبيئة من لوحات تتوق أن يراها احد ..وبقايا بشر..وهى كلها كنوز !! وقصة "على بلد المحبوب " واحدة من كنوزك المخبئة ..أنت تكتب يا مصطفى مثلما ترسم ..فاصنع لحزنك أجنحة من الألوان والكلمات وأطلق سراح الوطن .
منتصر جابر

غير معرف يقول...

القصة رائعة جدافى تصويرك للطفل وتخيلك للظلام تخيل وتصور جميل جدا
بس انا ليا تعليق لفت نظرى
حضرتك بتوصف لحظات الغارة
وسال الطفل
متى تضىء أمى النور ؟
سأل أبوه ، نظر أليه وأبتسم فى حيرة
نظر اليه وابتسم بالرغم من ان لحظة الغارة بتكون شديدة الظلام

nermeen esmat يقول...

القصة رائعة جدا تصويرك للطفل وتخيلك وتصور جميل جدا
بس انا ليا تعليق لفت نظرى
حضرتك بتوصف لحظات الغارة
فى سؤال الطفل لابوه
متى تضئ امى النور؟
سال ابوه ،نظر اليه وابتسم فى حيرة
فى هذا السؤال نظر اليه وابتسم من ان لحظة الغارة بتكون شديدة الظلام فكيف نظر الاب لابنه وابتسم فى حيرة

مصطفى الخطيب يقول...

نرمين
ملحوظتك ال\كية فى محلها
وسوف أخدها فى الإعتبار إدا قررت فى يوم من الأيام نشرها
تحياتى
مصطفى الخطيب